مفطرات الصائم في ضوء المستجدات الطبية
بإختصار:
ما يدخل البدن عن طريق المنافذ:
الفم-الأنف-العين-الأذن-الإحليل-الدبر-القبل
أولاً: الفم:
اتفق الفقهاء على أن ما يدخل الفم ويكون في حد الظاهر منه، لا يفطر الصائم.... مثل المضمضة وذوق الطعام، ونحوهما، قلت: وضابطه الفقهي ... أن لا يتعدى حّد الظاهر من الفم بمخرج الحاء، وبناءً على هذا التحديد: نبين حكم بخاخ الربو، ومضغ العلك، والتدخين.
1- بخّاخ الربو:
تباينت الفتاوى بشأن البخاخ الذي يتعاطاه بعض المرضى عن طريق الفم، فذهب البعض إلى أنه لا يفسد الصوم، وذهب آخرون إلى أنه يفسد الصوم.
الرأي الأول: البخاخ لا يفسد الصوم: استظهرت اللجنة الدائمة بالسعودية عدم الفطر باستعمال هذا الدواء، لأنه ليس في حكم الأكل والشرب، بوجه من الوجوه، وهو ما جاء في فتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله؛ لأنه شيء يتطاير ويتبخر ويزول ولا يصل منه جزء إلى المعدة، ويستند بعض أصحاب هذه الفتوى إلى أن الرذاذ الذي تنفثه بخاخة الربو حدوده الرئتان ... ولا يصل إلى المعدة، ولا يشكل غذاء ولا شراباً للمريض.قلت: فهو تبع للدواء لا لطلب الغذاء, كما هو شأن الحقنة الشرجية
الرأي الثاني: البخاخ مما يفطر به الصائم: استظهر أصحاب هذا الرأي أن ما يعرف بالنشاق يكون فيه دواء سائل مضغوط في زجاجة، ويستنشقه الصائم من طريق فمه، يفطر الصائم، لأنه دواء دخل من طريق الفم، وقيد بعضهم ذلك بما إذا وصل الدواء المستعمل بالبخاخة إلى الجوف، وإلا فالصوم صحيح.
الرأي الراجح: يحتوي بخاخ الربو على مستحضرات طبية + ماء + أوكسجين، وقد أكد لي عدد من الأطباء والصيادلة أن هذا المحتوى يدخل إلى المعدة بيقين، فالرأي: أن استعماله يفسد الصوم، والله أعلم.
قلت: إن أخذنا بالاعتبار: أنه تبع للدواء لا لقصد الغذاء: فنقول لا يفطر.والله أعلم
2- العلك:
تكلم الفقهاء في هذه المسألة عندما كان العلك مادة طبيعية لم تدخلها الصنعة، وقالوا: إن تفرَّق وتفتت بالمضغ فوصل منه شيء إلى الجوف، بطل الصوم، وإن كان قوياً – كالمطاط .. – فإنه يكره وورد نهي لأم حبيبة رضي الله عنها: "لا يمضغ العلكَ الصائمُ"
ومعظم العلك الموجود في هذه الأيام من النوع الصناعي، فهو يحتوي على مواد سكرية وطعم الفواكه أو النباتات، وصبغات طبيعية أو مصنعة كيميائياً، وكل هذا يتحلل داخل الفم عندما يختلط باللعاب الذي يتكون من أكثر من 99% من الماء + أملاح غير عضوية + مواد عضوية ويصل مع اللعاب إلى الجوف.
فيا حبذا لو أدرك المفتون هذه الحقيقة، وشددوا في النهي ..؛ سداً للذريعة، ولوحظ طبياً أن مضغ العلك يمكن أن ينهي إفراز المعدة، وبذلك يعرقل عملية الهضم، خاصة ً.. البروتينات، كما أن العلك ينهك الغدد اللعابية، ويستنفد بعض طاقات الصائم..
3- التدخين: قلت: الدخان نوع إحراق يدخل البدن من الفم فيذهب للمعدة والرئتين وطعم التبغ مكروه وتأباه العقول السليمة, وفيه شهوة ولكنها محرمة...
وقد يظن الابعض ممن لا يعرف مقاصد الشريعة السمحاء فيقول: الدخان يدخل مع مخرج النفس لا مخرج الطعام والشراب ليس من المفطرات.
والبعض يوجّه توجيهاً عاطفياً، حين نصح المدخن بالإقلاع عن التدخين ليحفظ صحته وأسنانه وماله وأولاده ونشاطه مع أهله،,,,,,وهو مجرم بتجارته بشع في معناه
... والدخان نوع من الشراب بلا شك، ولكنه شراب ضار محرم....والبعض يشتهيه فهو مفسد للصوم وهو مما يميل إليه الطبع، وتنقضي به شهوة البطن.
والواقع أن الدخان بجميع أنواعه (لفائف التبغ "سجائر وسيجار" وما يحرق في الأنبوب Pipe، وما يوضع في النارجيل) من المواد العضوية التي تحتوي على القطران والنيكوتين، ولها جرم يظهر في "الفلتر" وعلى الرئتين، وتصبغ الطبقة المخاطية التي تغطي جدار البلعوم بلون داكن، هذا من جهة، ومن جهة أخرى: فإن التدخين يلبي شهوة المدخن (الكيف والمزاج) فيؤثر على أعصابه تأثيراً لا يقل عن تأثير الخمور والمخدرات، ولهذا نجد المدخن يصبر عن الطعام والشراب، ولكنه لا يصبر عن الدخان، فتناول الدخان – إذن – ينتفي مع معنى الصوم الذي ذكره الحديث القدسي: "يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي".
ثانياً: الأنف:
يختلف الفقهاء في اعتبار ما يدخل من الأنف مفسداً للصوم، نتيجة اختلافهم في قبول حديث لقيط بن صبرة، وأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال له: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً"، واختلافهم في مدى دلالته، وفي جواز القياس عليه.
وبناء على ذلك: أفتى البعض بأن ما يدخل من الأنف إلى بدن الصائم يفسد صومه، يستوي في ذلك أن يكون بخاخ زكام، أو سعوط أو مسحوق عطر، أو ماء الاستنشاق المبالغ فيه.
وأفتى بعض آخر بأن كل ما يدخل من الأنف إلى بدن الصائم لا يفسد صيامه مطلقاً.
وهناك من ميز في فتواه بين ما كان له جرم – كالماء والسعوط والعطر المسحوق – فعده من المفطرات إذا وصل إلى الحلق، وما ليس له جرم – كالبخاخ ونحوه – فلا يفسد الصوم.
والذي ينبغي الالتفات إليه في هذا الشأن:
1- أن الأنف منفذ يشترك مع الفم في الاتصال بالحلق وأن جهاز الشم به يستقبل المواد الطيارة، فيذيبها في طبقة المخاط، ثم ينقلها عن طريق العصب الشمي إلى مركز الشم بالمخ، ولعل هذا هو الذي جعل السلف يقول إن ما يؤخذ عن طريق الأنف يصل إلى الدماغ. ولو بعد حين
2- قد يستعمل الأنف طريقاً للتغذية في بعض الأحيان، فيكون هو والفم سواء في الحكم.
3- أثبتت التحاليل الطبية أن بعض المواد العالقة في الهواء تدخل من الأنف، ويكون لها تأثير كبير على الدورة الدموية، ولهذا يطالب المدافعون عن حماية البيئة باستعمال الغاز الطبيعي أو البنزين الخالي من الرصاص في تشغيل الآلات والمركبات، ومنعت بعض الدول التدخين في الأماكن العامة حماية لغير المدخنين من تأثير الدخان على صحتهم. وهو ما يسمى بالتدخين السلبي وهو أشد ضرراً من التدخين المباشر...
وبناء على ذلك نقول وبالله التوفيق:
1- إذا استعمل الأنف طريقاً للتغذية في بعض الحالات – فما يصل منه إلى الحلق يفسد الصيام.
2- إذا تعمد الصائم التقطير في الأنف، أو استنشاق بخاخ الزكام أو الاستعاط، أو شم ما يُشبع رغبة الكيف أو المزاج (كالسموم البيضاء، أو الغِراء، أو القطنة المبللة بالبنزين)، أو تعمد البقاء في أماكن التدخين، وما أشبه ذلك: بطل صومه.
3- إذا احتاج الصائم لاستعمال قناع الأوكسجين لضيق في تنفسه، أو لوجوده تحت الماء، أو لانخفاض الضغط الجوي في الطائرة، أو نحو ذلك: فلا يبطل صومه، كما لو تنفس الهواء الطبيعي. والله أعلم.
قلت هذ للضرورة أو للحاجة العامة, وعلى كل فهو تبع للدواء أو الضرورة, لا يقصد به التغذية , والشريعة جاءت بنفي الحرج
ثالثاً: العين:
يبدو أن الفتاوى الحديثة في مسألة الكحل والدهن والقطرة في العين قد تابعت الخلاف الذي جرى بين الفقهاء، وهذا الخلاف بني على أصلين؛ أولهما: مدى صحة وحجية أحاديث الاكتحال، والثاني: مدى اعتبار العين منفذاً إلى الجوف. قال الإمام أحمد رحمه الله: عن الكحل: يجد طعمه من الغد...
فقد رأينا أن غالبية الفتاوى في هذا الشأن لا تبطل صيام المكتحل، لمجموع الأحاديث التي يقوي بعضها بعضاً، ولأن العين ليست بمنفذ إلى الجوف، وعدى هذا الحكم إلى كل ما يوضع في العين من دواء وقطرة ومراهم ونحوها.
ومع ذلك أفتى البعض بفساد صوم المكتحل وقاس على الكحل كل ما يوضع في العين من قطرة ودهون، إذا وصل إلى الحلق.
ونلاحظ في هذا المقام أن الدموع التي تفرزها الغدة الدمعية لتنظف وترطب قرنية العين تصب في تجويف الأنف عن طريق القناة الدمعية، لذا عندما يبكي الإنسان طويلاً يتمخط كثيراً.
فالرأي – عندي – أن الصائم إذا اكتحل أو وضع في عينه الدهن أو الدواء أو قطر فيها، وأحس بأثر ذلك في أنفه فتمخط، فإن صيامه يكون صحيحاً، أما إذا أحس بأثر ذلك وعيَّنه في مخاطه فاقتلعه بنَفَسه وابتلعه، فإن صيامه يفسد، والله أعلم. قلت: القصد مهم جداً وكونه من المداخل المعتبرة للجسد سواء من الأنف أو الأُذن كما سيأتي, مع التقيد بالدليل
رابعاً: الأذن:
اختلف الفقهاء في حكم الصوم إذا صب الصائم في أذنه ماء أو قطر فيها دواء، فمن قال منهم بفساد الصوم أجرى قياس الأذن على الأنف بجامع أن كلاً منهما منفذ، ومن ثم عدّى الحكم الوارد في حديث لقيط بن صبرة المتقدم، ومن قال منهم بصحة الصوم طبق الأصل المعتمد لديه؛ والقاضي بأن ما أدخل في الأذن لا يفطر إلا أن يصل إلى حلق الصائم.
وبناء على هذا الاختلاف: اختلفت الفتاوى الحديثة، فأفتى البعض بفساد صوم من يصب الماء في أذنه أو يقطر فيها الدواء، وأفتى آخرون بصحة الصوم في هذه الحالة.
ويبدو لنا أن قياس الأذن على العين أولى من قياسها على الأنف؛ ذلك أن الأنف – كالفم – منفذ طبيعي إلى الحلق والجوف، أما الأذن فالأمر فيه مختلف، لوجود الغشاء الطبلي (طبلة الأذن) الذي يفصل الأذن الخارجية عن الأذن الوسطى، وتقف عنده السوائل فلا تنفذ إلى ما وراءه، فإذا أزيل هذا الغشاء الطبلي أو السمعي – وأصيب الإنسان بالصمم – صارت الأذن منفذاً إلى الجوف، لاتصالها بالبلعوم عن طريق قناة استاكيوس، وحينئذ فقط يكون قياس الأذن على الأنف صحيحاً، لاشتراكهما فيما يسمى "البلعوم-أنفي".
فمناط الفتوى – إذن – يرجع إلى سلامة الغشاء السمعي، فإن كان سليماً محكماً لا يسمح بمرور السوائل إلى الأذن الوسطى، فالصوم صحيح، أما إن تمزق لمرض أو حادث، ودخلت السوائل إلى البلعوم-أنفي، فالصوم يبطل. والله أعلم.
خامساً: الإحليل:
قد يستدعي فحص المسالك البولية لشخص تقطير مواد سائلة أو ملونة عن طريق مجرى البول، تستقر في المثانة، لتوضح الصور التي تلتقطها الأشعة، وقد بحث الفقهاء من قديم حكم الصوم مع إدخال مثل هذه السوائل في الإحليل، فرأى البعض أن ذلك يفطر الصائم، ولو لم يصل إلى المثانة قياساً على حكم الحقنة الشرجية، ورأى آخرون أن التقطير في الإحليل لا يفطر الصائم إلا إذا وصل إلى المثانة، لأنه أدخل شيئاً إلى جوفٍ، والرأي الغالب أن الصيام صحيح إذا قطر في إحليله، لأن هناك فرقاً بين الإحليل وبين فتحة الشرج، .. قلت: ليت الأصل في ذلك يكون واحداً, والتفريق لا حجة له..
والفتاوى الحديثة: بعضها يكتفي بعرض آراء الفقهاء، ومنها ما يفتي بعدم فساد الصوم "لأننا لا نجد علة واضحة نستطيع بواسطتها أن نحكم على فساده وبطلانه، ثم إن هذه من الأمور التي لم يرد فيها نص عن الشارع".
ونحن مع الرأي الأخير، ونرى علة واضحة لكون الصوم صحيحاً مع التقطير في الإحليل – حتى لو وصل إلى المثانة – وهي أن المثانة عضو طارد، عندما يمتلئ تتمدد ثنيات الطبقة المخاطية به، فتدفع الطبقة العضلية السوائل إلى الخارج.
سادساً: الدبر:
تناول الفقهاء حكم إدخال شيء في دبر الصائم، وخاصة "الحقنة الشرجية" فعند جمهورهم أن استعمالها يفطر الصائم، لأنه أدخل مائعاً إلى جوفه باختياره، وهم يستندون إلى ما رواه البيهقي من أن "الفطر مما دخل"، وقياساً على ما يصل إلى الدماع، مثل ما ورد في حديث لقيط بن صبرة المتقدم، ولأن ما في الحقنة من مائع دخل إلى الجوف من طريق معتادة، كما لو دخل من الفم أو الأنف، وذهب البعض إلى أن الحقنة الشرجية لا تفسد الصوم، وهو رأي ابن تيمية وابن حزم، لأنها لا تغذي بوجه من الوجوه، بل تستفرغ ما في البدن، كما لو شم شيئاً من المسهلات، كما أنها لا تصل إلى المعدة.
(قلت: بل تصل؛ لأن حقن المتقدمين فيها مواد منها الماء, وتستمر في الأمعاء وقتا طويلا.. قد يكون زهاء الساعة وما حولها.. ولكن رأي شيخ الإسلام : لأنها تبع للعلاج ولا يقصد بها التشهي والقوة لطلب الغذاء...)
وعلى هذا الأساس تنوعت الفتاوى المعاصرة – فيما يتعلق بحكم استعمال الصائم الحقنة الشرجية – إلى ثلاث اتجاهات:
1- يرى الاتجاه الأول أن الحقنة الشرجية تفسد الصوم، سواء كانت للتداوي أو للتغذي أو لغير ذلك، لأنها تدخل من منفذ طبيعي، وتصل إلى الجوف.
2- ويرى اتجاه آخر أن الحقنة الشرجية لا تبطل الصوم مطلقاً، لأنها لا تصل إلى المعدة.
3- أما الاتجاه الثالث: فإنه يميّز بين الحقنة الشرجية التي تدخل مادة غذائية في الجسم، ويعدها مفسدة للصوم، وبين الحقنة الشرجية التي تحمل مادة ملينة للأمعاء، كالماء والصابون أو الأشياح، وهذه لا تفسد الصوم، لأنها قد لا تمتص، والهدف منها:إخراج الفضلات من الجسم.
ونشير إلى أمرين ينبغي الالتفات إليهما قبل الفتوى في موضوع الحقن الشرجية:
1- أن امتصاص المواد المهضومة، يعني عملية مرور المواد الغذائية البسيطة التركيب الناتجة من الهضم، خلال بطانة القناة الهضمية إلى الدم، وليس للمعدة وظيفة تُذكر في عملية الامتصاص، إنما يحدث معظم الامتصاص في الأمعاء الدقيقة، أما الأمعاء الغليظة فإنها تمتص الماء وقليلاً من الأملاح والغلوكوز، وقد تمتص الأدوية المختلفة.
2- من الطرق المتبعة في تغذية المريض إعطاؤه مواد غذائية مهضومة جزئياً عن طريق الشرج، ولو أن القدرة على امتصاصها تكون ضعيفة جداً، لأن دور القولون الأساسي هو الإطراح وليس الامتصاص.
وبناءً على ذلك: فإننا نوصي الصائم بتأخير استعمال الحقنة الشرجية إلى ما بعد الإفطار – احتياطاً للعبادة – سواء كانت تحمل مواد غذائية أو سوائل أخرى، ما دام العلم قد أثبت أن الأمعاء الغليظة لها قدرة على امتصاص السوائل، وأن الأمعاء الدقيقة هي التي يحدث فيها معظم الامتصاص، ولا نظن أن هناك ضرورة ملحّة تقضي باستعمال الحقنة الشرجية أثناء فترة الصوم، لا سيما وأن كثيراً من أساتذة الطب ينصحون بعدم إجراء الحقن الشرجية أثناء الصوم، لأنها تسبب ضعفاً في عضلات الأمعاء وغشائها، وتخرش القولون، وتنهك المريض وتستهلك قواه. والله أعلم.
ومما يلحق بالحقنة الشرجية، ما يستعمله البعض مما يسمى بالتحاميل أو اللبوس أو أقماع البواسير أو المراهم، ونحو ذلك مما يستعمل لتخفيف آلام البواسير، أو خفض درجة الحرارة، أو التقليل من مضاعفات الزكام والبرد، عن طريق إدخالها في دبر الصائم.
ويرى بعض المعاصرين أن ذلك يفسد الصوم، بينما يرى آخرون أن لا أثر لذلك على صحة الصوم.
ونحن نميل إلى القول بعدم تأثير هذه المواد على صحة الصوم، لأنها تمتص من مكانها بواسطة شبكة كبيرة من الأوردة الدموية للدم مباشرة، ولا تستغرق هذه العملية وقتاً طويلاً، فهي كامتصاص الجلد الخارجي للماء والدواء والدهون، والله أعلم.
سابعاً: القُبل:
قد تحتاج المرأة إلى إدخال شيء في قبلها، وذلك لمرض يتطلب إدخال مراهم أو أدوية، أو لعمليات التنظيف المهبلي، أو لإجراء فحص عن طريق إدخال أدوات وأجهزة طبية، أو مس المهبل بنترات الفضة، ونحو ذلك.
وقد ذهبت بعض الفتاوى المعاصرة إلى فساد الصوم بذلك، لأن المهبل هو القناة التي تبتدئ بالفتحة المعروفة، وتنتهي بفم الرحم، والسائل الذي يمر بهذه القناة يصل إلى الداخل، فالواجب قضاء ما أفطرته المرأة لهذا السبب.
وذهبت فتاوى أخر إلى أن كل هذه الممارسات لا تؤثر على الصوم، لأن الصوم لا يفسده إلا ما يصل إلى المعدة، وما ذكر ليس على صورة الطعام والشراب ولا في معناه، وهو لا يصل إلى المعدة محل الطعام والشراب.
ويميز البعض بين الفحص النسائي، ويرى أنه لا يفسد به الصوم، قياساً على إدخال الإصبع في الفم، ولعدم ورود نص في الشرع أو عن الصحابة أو التابعين في مثل هذه الأمور، وبين عمليات التنظيف، ويرى أنها من الأعذار التي تبيح للمرأة الفطر، لأنها تحتاج إلى مخدر، وقد تكون سبباً في نزول الدم.
ونحن نفرق بين ثلاث حالات بالنسبة للمرأة:
1- مخرج البول: وهو يتصل بالمثانة – مثل إحليل الرجل – وهذا يأخذ الحكم الذي سبق أن أعطيناه للإحليل، وهو صحة الصوم مع إدخال شيء في هذا المكان، لما سبق أن قلناه من أن المثانة عضو طارد وليس مستقبلاً.
2- مهبل البكر: ويسده غشاء البكارة، الذي يسمح بخروج دم الحيض، ولا يسهل أن يمر منه شيء إلى الداخل، ونرى أن يأخذ نفس الحكم الذي أثبتناه لما يرِد مخرج البول.
3- مهبل الثيب: وهو عبارة عن قناة عضلية لها فتحة خارجية، وتمتد نحو عنق الرحم، وما يصب فيه يمكن أن يصل إلى أعلى الرحم، ونرى أن الأدوات والأجهزة الطبية التي تدخل فيه تؤدي إلى إفطار الصائمة، لأنها أدخلت إلى مكان مجوف في بدن المرأة، وقد يؤدي ذلك إلى نزول الدم، وكذلك الحكم – بل هو أولى – في حالة ما إذا صب فيه شيء من الماء أو الدواء أو غير ذلك، ونوصي بعدم الفتوى بصحة الصيام في مثل هذه الحالات. والله أعلم.
بتصرف (فيما كتب باللون الأحمر) واختصار(....)
من كلام د/ محمد جبر الألفي
أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة اليرموك.
جزاه الله خيرا...
ومن كتب وقرأ واستفاد وردّ وعلّق على الموضوع وأكمل ...